محور الرباط – نواكشوط: نقطة ارتكاز إقليمية لمواجهة التحديات الأمنية المعقدة

0

يشهد التعاون العسكري بين المغرب وموريتانيا تطورا لافتا في الآونة الأخيرة، يعكس تحولا نوعيا في العلاقات الثنائية، وتوجها استراتيجيا جديدا نحو شراكة أعمق في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة بمنطقة الساحل وشمال إفريقيا.

إن اللقاء الذي جمع وزير الدفاع الموريتاني، الفريق حننا ولد سيدي، بوفد عسكري مغربي رفيع المستوى يندرج ضمن هذا المسار التصاعدي، ويأتي تتويجا لبرنامج تعاون عسكري مشترك تشرف عليه اللجنة العسكرية المشتركة بين البلدين، التي تأسست رسميا في عام 2019 بعد أكثر من عقد على توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية سنة 2006.

إن اللقاء الأخير في نواكشوط، الذي تمحور حول توسيع الشراكة في المجال الطبي العسكري والدعم الفني واللوجستي، لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي المتوتر، حيث تواجه بلدان الساحل تهديدات أمنية متزايدة بفعل تنامي الجماعات المسلحة، وتوسع شبكات الجريمة المنظمة، وتزايد ضغط الهجرة غير النظامية.

في هذا الإطار، يبدو أن الرباط ونواكشوط تتقاطعان في إدراك حجم التهديدات وتداعياتها العابرة للحدود، ما يفسر الحرص المتبادل على تمتين التعاون العسكري، ورفعه إلى مستويات أكثر مؤسسية وشمولية.

كما يبرز المسار التصاعدي للعلاقات العسكرية بين البلدين رغبة مشتركة في تجاوز الاعتبارات التقليدية التي كانت تهيمن على العلاقات الأمنية في الماضي، وفتح المجال لتعاون متعدد الأبعاد يتضمن التكوين، وتبادل الخبرات واللوجستيك والدعم الفني، وهو ما تجسده الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات، بدءا بلقاء المفتش العام للقوات المسلحة الملكية المغربية، الفريق محمد بريظ، بوزير الدفاع الموريتاني في معرض “مراكش إير شو 2024″، وانتهاءً باللقاء الأخير في نواكشوط.

من جهة أخرى، تعكس هذه الدينامية الأمنية والعسكرية جانبا من التحول الأوسع في العلاقات المغربية-الموريتانية، والتي توصف اليوم بأنها تمر بأفضل مراحلها، كما جاء في تصريح لوزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، في أعقاب لقاء رفيع جمع رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، بجلالة الملك محمد السادس.

في السياق الجيوسياسي، تكتسب هذه الشراكة بين الرباط ونواكشوط أهمية استراتيجية متزايدة، لكونها تندرج ضمن التوازنات الجديدة التي ترسم ملامح أمن الساحل وغرب إفريقيا، في وقت بدأت فيه بعض القوى الإقليمية تعيد تموقعها، وتعيد حساباتها في ظل صعود نفوذ أطراف جديدة وتراجع الدور التقليدي لقوى أخرى. لذلك، فإن تعزيز المغرب لتعاونه مع موريتانيا لا يعد فقط خيارا تقنيا في مواجهة التهديدات الأمنية، بل أيضا خطوة استراتيجية نحو بناء تحالفات إقليمية متماسكة قادرة على فرض الاستقرار واستباق التهديدات المشتركة.

وإذا كانت المؤشرات الحالية تبرز منحى تصاعديًا في التعاون العسكري، فإن المرحلة المقبلة ستكون رهينة بمدى قدرة البلدين على تحويل هذه الإرادة السياسية والعسكرية إلى برامج تنفيذية ملموسة، تشمل التكوين، وتبادل المعلومات، والدعم اللوجستي، وتطوير قدرات الردع المشترك.

وفي حال تحقق ذلك، فإن محور الرباط-نواكشوط قد يتحول إلى نقطة ارتكاز إقليمية لمواجهة التحديات الأمنية المعقدة، وإعادة رسم خريطة الشراكات الدفاعية في غرب وشمال إفريقيا، بما يخدم استقرار المنطقة بأسرها.

Loading...