الأزمة بين الجزائر وفرنسا..النظام العسكري ومحاولة الهروب إلى الأمام
يواصل النظام العسكري الجزائري محاولاته لتضليل الرأي العام الداخلي والخارجي، مصورًا أزمته المتصاعدة مع فرنسا على أنها نتاج مؤامرة من اليمين المتطرف، متجاهلًا أن الأزمة في جوهرها تتعلق بمواقف رسمية صادرة عن الحكومة الفرنسية، وليس مجرد تصريحات إعلامية.
وسعت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيانيها الأخيرين، إلى تحميل اليمين الفرنسي المتطرف مسؤولية توتر العلاقات بين البلدين، في محاولة مكشوفة للإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة مع التيارات السياسية الأخرى التي قد تصعد إلى السلطة مستقبلًا. غير أن هذا النهج لم يخدع الفرنسيين، الذين يرون أن الأزمة سببها الأول هو تعنت النظام الجزائري نفسه، وليس مجرد توظيف سياسي داخلي في فرنسا.
تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي دعا فيها الجزائر إلى الانخراط في “عمل معمق” لحل الملفات العالقة، تكشف مدى الانزعاج الرسمي الفرنسي من سياسة الهروب إلى الأمام التي يتبعها النظام الجزائري.
ماكرون شدد في مؤتمره الصحفي في بورتو على أن “اللعب السياسي” لن يساعد في تجاوز الأزمة، محذرًا من استمرار التصعيد المتبادل.
وعلى الرغم من محاولة النظام الجزائري تصوير الأزمة على أنها مفتعلة من قبل اليمين الفرنسي المتطرف، فإن شخصيات سياسية بارزة في فرنسا، مثل وزير الخارجية الأسبق دومينيك دوفيلبان، ترى أن تعامل الحكومة الجزائرية مع الملف يعكس أزمة داخلية تحاول السلطة تصديرها إلى الخارج.
دوفيلبان، الذي دعا إلى اعتماد خطاب يقوم على “الندية والاحترام”، انتقد بشدة وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، لكنه في الوقت ذاته لم يتجاهل تعنت الجزائر وسياستها في التعامل مع فرنسا.
المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا وصف الأزمة الحالية بين البلدين بأنها “الأخطر في تاريخهما الحديث”، مشيرًا إلى أن تصعيد الجزائر المستمر يهدد أي فرصة لإعادة بناء الثقة.
ومع ذلك، لا يزال النظام الجزائري يراهن على تحولات سياسية محتملة في فرنسا، في انتظار وصول حكومة يسارية أو أكثر اعتدالًا يمكنها العودة إلى سياسة أكثر تساهلًا تجاه الجزائر.
لكن هذا الرهان يبدو محفوفًا بالمخاطر، إذ إن المزاج العام في فرنسا، سواء لدى اليمين أو اليسار، بات أكثر رفضًا للابتزاز الجزائري ومحاولات التهرب من الالتزامات الثنائية. وإذا استمر النظام العسكري الجزائري في هذه السياسة، فقد يجد نفسه معزولًا دوليًا، غير قادر على تبرير إخفاقاته الداخلية بالتصعيد الخارجي.