حرب بلا نيران بين الصين والولايات المتحدة في أدغال غابات”تيك توك”
بعيدا عن الصراع الأمريكي الصيني حول جزيرة تايوان، لا يمكن لهاتين القوتين الكونيتين ألا يجدا باستمرار ساحات للصراع والتطاحن في أفق ما ينتظره المتشائمون من المراقبين من انفجار عظيم تتبعه حرب فاصلة يعقبها “نظام عالمي جديد” بأكثر من قطب.
وتدور هذه الأيام معارك قضائية بيت بيكين وواشنطن في حرب مختلفة عنوانها “تيك توك”. فقد رفعت «تيك توك» دعوى قضائية ضد الحكومة الأميركية على خلفية القانون الأميركي الذي بموجبه ستجبر شركة «بايت دانس» المالكة لشركة «تيك توك» على بيع الأخيرة أو حظر هذا التطبيق كليا بالولايات المتحدة..
وكما لو أن حرية التعبير تعني شيئا للصين بلد الزعيم الواحد والحزب الوحيد، تقول شركة «تيك توك» إن القانون الجديد سيقلص حرية التعبير ويضر بالتالي بمنتجي المحتوى وأصحاب الشركات الصغيرة الأميركيين الذين يستفيدون اقتصادياً من المنصة.
وفي الدفوعات الشكلية، قالت الشركة إنه “لأول مرة في التاريخ يُصدر الكونغرس قانوناً يستهدف منصة تعبير واحدة بالحظر الدائم والشامل ويمنع كل الأميركيين من الاشتراك في مجتمع فريد على الإنترنت يضم أكثر من مليار مستخدم”. .
ووفقاً للقانون الأمريكي الجديد سيكون على شركة «بايت دانس» الصينية بيع منصة «تيك توك» بحلول يناير المقبل، وإلا سيتم حظر التطبيق في الولايات المتحدة..
وتقول “تيك توك” إن حظر المنصة سيشكل كارثة لقرابة سبعة ملايين شركة أميركية تعتمد عليها، وسيؤدي إلى إغلاق منصة تسهم بحوالي 24 مليار دولار سنوياً في الاقتصاد الأميركي.
غير أن خصوم الشركة ومناهضي سياساتها يرون أن مؤسسيها الصينيين الذين يمتلكون عشرين بالمائة من أسهمها فقط يسيطرون عليها بفضل حقوق التصويت التي يتمتعون بها إلى جانب وجود مقر رئاسة «بايت دانس» في بكين.
وتبدو هذه الحرب الناعمة ظاهريا كما لو كانت تزجية للوقت بين الكبار أو مجرد مبارزة قضائية بين الصقر الأمريكي والتنين الصيني غير أن الأمر خلاف ذلك تماما.
ذلك أن هذا الكائن المسمى ” تيك توك” والذي لم يكد أحد يأخذه بجد في البداية بالنظر إلى مضامينه الميالة عموما للتفاهة والإثارة وحتى البشاعات المقززة، واستحضارا للفئات العمرية التي ترتاده، هذا الكائن غير من مزاجه ولعب أدوارا انقلابية منذ انطلاق حرب غزة وما صاحبها من محارق على الأرض.
وقد أدركت الولايات المتحدة أن “تيك توك” صار بالفعل من أسلحة الدمار الشامل الصينية وهكذا وجدت واشنطن نفسها بين خيارين لا ثالث لهما حيال هذا الوحش الكاسر، وهو موقفه يعبر عنه بذكاء المثل المغربي القائل: تقاد ولا اخوي لبلاد.
إنها معركة كسر عظم بين قوتين: إن بقي هذا التطبيق بأمريكيا فسوف يعد هزيمة لن يرضاها العم صام وإن غادر البلاد فنيران التنين قد تخرج عن السيطرة وتشعل نيرانا لا أحد يدري أين ستقودها رياح مخاض ما قبل ولادة نظام عالمي آخر بدأت أوجاعه في أوكرانيا..وقد تنتهي في تايوان.