زخم قوي ميز المشهد الثقافي بجهة الداخلة – وادي الذهب خلال سنة 2023
الداخلة بلوس : و م ع
(سعد أبو الدهاج)
شهدت جهة الداخلة – وادي الذهب، خلال سنة 2023، زخما قويا مي ز مشهدها الثقافي، من خلال إحياء وتنظيم العديد من التظاهرات والأحداث الثقافية والفنية ذات البعد المحلي والوطني والدولي.
وتأتي مجمل الأنشطة الثقافية والفنية، التي احتضنتها الجهة على مدى الأشهر الماضية، في سياق تنزيل مقتضيات المكون الثقافي من عقد برنامج التنمية المندمجة لجهة الداخلة – وادي الذهب، الموقع أمام صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بين المجلس الجهوي ووزارة الثقافة.
ويجسد تنظيم هذه الأحداث والتظاهرات مدى العناية والاهتمام بدعم وتعزيز مجال التنشيط الثقافي والفني والفكري بجهة الداخلة – وادي الذهب، والتعريف بالموروث الثقافي الحساني لدى الأجيال الصاعدة، وتشجيع المبدعين في فنون الأدب والشعر والموسيقى، ومواكبتهم، والتعريف بإبداعاتهم الفنية وتثمينها.
واعتبارا لخصوصيات الجهة، فإن الاهتمام يتركز أكثر على تشجيع ونشر الثقافة الحسانية كرافد من روافد الهوية المغربية وموروث يحافظ على التقاليد والعادات التي ترمز إلى وحدة الوطن، وآلية أساسية لتنزيل النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية للمملكة، ومناسبة لتشجيع المبدعين الصحراويين في المجال الثقافي.
وفي هذا الصدد، نظمت المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بالداخلة – وادي الذهب فعاليات الدورة الثالثة عشر لـ “المعرض الجهوي للكتاب والنشر بالداخلة”، إطار تخليد الذكرى الـ 48 للمسيرة الخضراء المظفرة، والذكرى الـ 68 لعيد الاستقلال المجيد.
وتأتي هذه التظاهرة الثقافية، المنعقدة تحت شعار “القراءة.. جسر ارتقاء”، تفعيلا لاستراتيجية وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة الرامية إلى ترسيخ الفعل القرائي عبر ربوع المملكة ودعم الكتاب وتقريبه من ساكنة الجهة، وفي سياق تنزيل البرنامج السنوي للمعارض الجهوية للكتاب وبرنامج التنمية المندمجة لجهة الداخلة – وادي الذهب.
وتميز هذا الموعد الثقافي، المنظم بدعم من مديرية الكتاب والخزانات والمحفوظات، وبتعاون مع ولاية جهة الداخلة – وادي الذهب ومجلس الجهة والمجلس الإقليمي لوادي الذهب والمجلس الجماعي للداخلة، وبشراكة مع فاعلين محليين، بمشاركة أكثر من 32 عارضا من دور نشر وطنية ومكتبات محلية ومؤسسات عمومية تعنى بالكتاب.
كما جرى على هامش افتتاح المعرض، الذي عرف مشاركة عدد من الطلبة والفعاليات الإفريقية المقيمة بالداخلة، توزيع الجوائز على الفائزين والفائزات في مسابقة “الملتقى الخامس لربيع القصة القصيرة”، وتنظيم ورشات تربوية وتثقيفية موجهة لفائدة تلاميذ المؤسسات التعليمية الابتدائية بالمدينة.
من جهة أخرى، احتضنت حاضرة إقليم وادي الذهب فعاليات الدورة الحادية عشر للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة، المنظم من طرف جمعية التنشيط الثقافي والفني بالأقاليم الجنوبية، والتي عرفت تتويج الفيلم الأوغندي “طامبيلي” للمخرج موريس موجيشا بـ”الجائزة الكبرى للداخلة”.
واحتفت هذه التظاهرة بالسينما الإفريقية من خلال الحضور المتميز لسينمائيين ينحدرون من 16 بلدا هي الكاميرون، وجزر موريس، وأنغولا، وبوركينا فاسو، وغانا، وأوغندا، وإفريقيا الوسطى، ورواندا، وجزر القمر، والبنين، والكونغو، والسينغال، والصومال، وتونس، ومصر، وموريتانيا، بالإضافة إلى المغرب، البلد المنظم.
وتميز برنامج الأنشطة الموازية لهذا الحدث السينمائي بتنظيم عدد من الندوات والمناقشات والورشات، وحفل توقيع كتاب، بالإضافة إلى عروض لأحدث الإنتاجات السينمائية الوطنية.
وفي مجال التراث الحساني، نظم فريق البحث والتكوين في تراث وثقافة الصحراء محاضرة علمية في موضوع “الأمثال الشعبية الحسانية وأبعاد التعلم الأربعة”، وذلك في سياق الاحتفاء بشهر التراث لسنة 2023.
وتميزت هذه المحاضرة، التي احتفت بمرور 12 سنة على دسترة البعد الحساني للهوية المغربية، بحضور أعضاء فريق علمي تابع لمختبر الخطاب وتكامل العلوم والمعارف التابع للكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، زار مدينة الداخلة في إطار إنجازه لمشروع بحثي معتمد من طرف المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، في موضوع “أشكال التعابير اللغوية في الصحراء المغربية: خصائصها اللسانية وامتداداتها الإفريقية”.
وتندرج المحاضرة، التي ألقاها أستاذ اللغة العربية والثقافة الشعبية الحسانية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالداخلة – وادي الذهب ورئيس فريق البحث والتكوين في تراث وثقافة الصحراء، سمير مرزوق، في إطار المبادرات الأكاديمية الرامية إلى إبراز الموروث الثقافي الحساني بكافة أنواعه وتمظهراته، ودعم الجهود الهادفة إلى صيانة هذا الموروث والحفاظ عليه.
كما عاشت مدينة الداخلة على إيقاع مهرجان الموسيقى الحسانية “Music&CO” في نسخته الثانية، من خلال رحلة موسيقية فريدة ورائعة تمزج بين مختلف الأنماط الموسيقية.
ورامت هذه التظاهرة الثقافية، التي نظمتها جمعية موسيقى وثقافات بلا حدود في إطار مقاربة تضامنية تجاه الأطفال الذين يعانون من أمراض القلب، من خلال دعم جمعية “Les bonnes œuvres du cœur”، بمشاركة السينغال وتركيا والكوت ديفوار كضيوف شرف، الاحتفاء بالثقافة الحسانية باعتبارها مكونا أساسيا في الهوية الثقافية المغربية الغنية والمتعددة.
وبهذه المناسبة، أحيا فنانون متميزون من قبيل كولسرين (تركيا) وماريما (السنغال)، بالإضافة إلى الفرقة المغربية “Dwaih”، حفلا في قصر المؤتمرات بالداخلة، طبعته لحظات استثنائية أسعدت عشاق الموسيقى الحسانية العصرية والإفريقية والتركية، التي سافرت بالجمهور في رحلة خارج الحدود من خلال بناء تفاعل وتمازج بين الإيقاعات ومختلف الأنماط.
من جهة أخرى، شهدت مدينة الداخلة افتتاح معرض “الصحراء المغربية تراث أثري عمره آلاف السنين”، الذي ضم عددا من القطع والأدوات والشظايا التي تعود إلى العصر الحجري القديم الأسفل: الأشولي، والعصر الحجري القديم الأوسط: العاتيري، والعصر الحجري الحديث.
وبالموازاة مع المعرض، افتتحت أشغال الملتقى العلمي “القيمة العلمية للتراث المادي واللامادي بالصحراء المغربية”، بمشاركة لفيف من الأساتذة الباحثين والخبراء في مجال الآثار والتراث والمنحوتات الصخرية.
وتناولت الجلسات العلمية الأربع لهذا الملتقى عدة مداخلات هم ت، على الخصوص، “الإطار الجيولوجي – الجيومرفلوجي والطبيعي للمجالات الصحراوية وسبل تحقيق التنمية المستدامة”، و”لمحة عن الفن الصخري بالصحراء المغربية”، و”تدبير التراث الثقافي لجهة الداخلة – وادي الذهب”، و”التراث الحساني بجهة الداخلة – وادي الذهب ورهانات المحافظة عليه (السبك نموذجا)”.
على صعيد آخر، شهدت سنة 2023 تقييد عدد من الآثار والمواقع بجهة الداخلة – وادي الذهب في عداد الآثار الوطنية، وهو إجراء يأتي في سياق مواصلة الجهود التي يبذلها قطاع الثقافة، عبر مديريته الجهوية، من أجل تعزيز الحماية القانونية للمواقع الأثرية والمباني التاريخية.
وهكذا، تم تقييد المعلمين التاريخيين “كنيسة سنتا ماريا دي لكورني” و”الباب الرئيسي للحي الإداري” المتواجدين بمدينة الداخلة، بالإضافة إلى المواقع الأثرية “لمحيكنات إينيفافن” و”الشياف (وادي الجنة)”، و”أغيلاس” بإقليمي وادي الذهب وأوسرد.
كما جرى، في السياق ذاته، تقييد الحصون الإسبانية التي تقع بتراب جماعة الداخلة، التابعة لإقليم وادي الذهب، في عداد الآثار الوطنية.
وتروم هذه التظاهرات والأنشطة دعم وتعزيز الشأن الثقافي والفني في جهة الداخلة – وادي الذهب، ومواكبة الدينامية السوسيو-اقتصادية المتسارعة وغير المسبوقة التي تعيش على وقعها الجهة، باعتبارها قطبا تنمويا صاعدا وجسرا م هما يربط المغرب بعمقه الإفريقي.