“الأمثال الشعبية الحسانية وأبعاد التعلم الأربعة” محور محاضرة علمية بالداخلة

الداخلة بلوس :  (و م ع)

شكل موضوع “الأمثال الشعبية الحسانية وأبعاد التعلم الأربعة”، محور محاضرة علمية نظمها فريق البحث والتكوين في تراث وثقافة الصحراء، أمس الأربعاء بالداخلة، في سياق الاحتفاء بشهر التراث لسنة 2023.

وتميزت هذه المحاضرة، التي تحتفي بمرور 12 سنة على دسترة البعد الحساني للهوية المغربية، بحضور أعضاء فريق علمي تابع لمختبر الخطاب وتكامل العلوم والمعارف التابع للكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، يزور حاضرة وادي الذهب حاليا في سياق إنجازه لمشروع بحثي معتمد من طرف المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، في موضوع “أشكال التعابير اللغوية في الصحراء المغربية: خصائصها اللسانية وامتداداتها الإفريقية”.

وتندرج المحاضرة، التي ألقاها أستاذ اللغة العربية والثقافة الشعبية الحسانية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالداخلة – وادي الذهب ورئيس فريق البحث والتكوين في تراث وثقافة الصحراء، سمير مرزوق، في إطار المبادرات الأكاديمية الرامية إلى إبراز الموروث الثقافي الحساني بكافة أنواعه وتمظهراته، ودعم الجهود الهادفة إلى صيانة هذا الموروث والحفاظ عليه.

وأبرز السيد مرزوق، وهو أيضا منسق مجزوءة “الثقافة الشعبية الحسانية: الأبعاد والحمولات التربوية والقيمية”، أن الأمثال الشعبية الحسانية تندرج، باعتبارها شكلا من أشكال التعبير الشفهي، ضمن التراث الثقافي غير المادي بالنظر لاعتمادها على “اللغة/اللسان” واسطة للتعبير، مشيرا إلى أنها تعكس معارف وتمثلات تنم عن ممارسات اجتماعية ومهارات مورست من طرف أهالي المجتمع المحلي للصحراء المغربية، في فترة من الفترات المعيشية.

وأضاف المحاضر أن المثل الشعبي الحساني، كغيره من الأمثال العربية السائرة التي شاعت على ألسن الناس، هو عبارة موجزة مختصرة ومفيدة، وموروث اجتماعي ثقافي، وأحد أبرز مصادر الحكمة والتربية والتثقيف التي أبدعها ابن الصحراء للتعبير عن مواقفه وتجاربه تجاه الحياة، وإسهاما منه في توجيه جماعته إلى الأخلاق القويمة، فهي عطاء ونتاج شعبي يعكس ما يمور في مجتمع أهل الصحراء، ويلخص كيفية تعاملهم مع متطلبات الحياة في السراء والضراء.

وتابع أن الأمثال الشعبية الحسانية تعتبر من موارد ثقافة المجتمع الصحراوي، وخلاصة دقيقة لتجارب الشيوخ والأجداد في صراعهم المرير مع تحديات الحياة وتقلباتها، ومشتلا لغرس المضامين التربوية، والقيم الأخلاقية النبيلة، لافتا إلى أن هذه الأمثال تتميز بعدة عناصر ومكونات، من أبرزها المكون الشفاهي والبيئي والواقعي.

كما توقف المحاضر عند جملة من الأمثال الشعبية الحسانية التي تسعى إلى الإسهام في إنماء شخصية الفرد وتهيئة وإعداد المجتمع، حيث اجتهد في تصنيفها حسب الأبعاد الأربعة المعاصرة للتعلم التي تشمل “التعلم للمعرفة” أو البعد المعرفي، و”التعلم للعمل” أو البعد الأدواتي، و”التعلم من أجل العيش المشترك” أو البعد الاجتماعي، و”التعلم لنكون” أو البعد الفردي، مؤكدا أن هذه الأبعاد لا يمكن الفصل بينها، باعتبار أنها تنطلق من رؤية متكاملة تسعى إلى تحقيقها في الآن ذاته، وهي بناء الإنسان.

وقال إنه بفضل إدراك كنه الأمثال الشعبية الحسانية، والوعي بما تحمله في طياتها من م ثل عليا، يستطيع المرء التعود على انتقاء ألفاظه بإمعان، وامتلاك القدرة على التواصل بشكل أفضل، والتحكم بشكل جيد في ردود أفعاله، والاقتناع باختياراته وامتلاك القدرة على تبريرها، والاستفادة من تجارب الحياة والعمل على استثمار ذلك في إنماء الذات وتحصينها، إلى غير ذلك من السمات الإيجابية التي يمكن التربية عليها وتملكها، من خلال استيعاب غايات هذه الأمثال وما تدعو إلى تحقيقه من أهداف، سواء بشكل ضمني أو صريح.

من جهة أخرى، دعا المحاضر إلى ضرورة الاهتمام بالأمثال الشعبية الحسانية، لكونها تعد من أبرز التعبيرات الشفوية التي أبدعتها قريحة إنسان الصحراء، في سياق مجابهته لمختلف التحديات الحياتية والبيئية، ولما أصبحت تواجهه اليوم من فقد للوقع والأثر أمام الخطر الداهم للعولمة، وما أفرزته تجلياتها من تأثيرات متعددة على قيم ومقاصد الحياة الإنسانية.

وأكد أن الاستثمار التنموي للموروث الثقافي، بالرغم مما تنسجه العولمة من تحديات فكرية وثقافية ولغوية وسلوكية، يحتم علينا صون وتثمين الأمثال الشعبية الحسانية ذات الحمولات القيمية، باعتبارها عامل بناء للعلاقات الاجتماعية، ولأنها تسعى إلى إنماء شخصية المرء وتوجيهه، لا إلى جعله ينفصل عن وعيه الذاتي والجمعي.

وخلص السيد مرزوق إلى أن الأمثال الشعبية الحسانية، التي تعد وثيقة تاريخية واجتماعية ونفسية لم تدع جانبا من جوانب حياة الإنسان الصحراوي إلا صورته وجسدته، تظل مرجعا غنيا وموروثا أصيلا لا يمكن للمرء المعتز بهويته الحضارية وتراثه الثقافي أن يستغني عنه، أو ألا ينهل من الحكمة التي تشع منه.

وتميز هذا الحدث العلمي بحضور، على الخصوص، السيد أحمد البايبي، مدير مختبر الخطاب وتكامل العلوم والمعارف التابع للكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، ومنسق فريق علمي ينجز مشروعا بحثيا معتمدا من طرف المركز الوطني للبحث العلمي والتقني، بمعية عدد من أعضاء الفريق العلمي، وثلة من الأكاديميين والأساتذة الباحثين والمهتمين بالموروث الثقافي الحساني، بالإضافة إلى طلبة وطالبات بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالداخلة – وادي الذهب

Loading...