تحت “شمس المغرب” ـ مشاريع طموحة تتوهج رغم التحديات!
حقق المغرب نتائج مبهرة بمونديال قطر، لكنه يحقق أيضا نتائج كبيرة في مشاريع الطاقة المتجددة. فلديه أكبر مزرعة للطاقة الشمسية المركزة بالعالم وواحدة من أكبر مزارع الرياح. دوتش فيليه تلقي نظرة على كيفية وصوله لهذه المكانة المتقدمة.
في مدينة ورزازات السياحية المغربية، التي تعد بوابة المغرب إلى الصحراء الكبرى، تشكل أكثر من نصف مليون مرآة منصوبة بانحناء دوائر عملاقة. وتدور هذه المرايا كل بضع دقائق لتوجيه أشعة الشمس بشكل أفضل نحو الأنابيب المليئة بالزيت الاصطناعي، مما يجعله يسخن بشدة متحولا إلى بخار. هذا البخار يستخدمه التوربين لإنتاج طاقة تكفي لـ1.3 مليون شخص، وهذا هو مجمع نور ورزازات، أكبر مزرعة للطاقة الشمسية المركزة في العالم.
في بلدة ساحلية في جنوب شرق المغرب ، يوجد مشروع ضخم آخر للطاقة المتجددة، هو مزرعة الرياح في مدينة طرفاية، بعدد توربينات قدره 131 توربينًا، وتعد هذه المزرعة واحدة من أكبر مزارع الرياح من نوعها في قارة أفريقيا.
وقالت غالية مختاري، المحامية والمتخصصة في الطاقة بالمعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي، وهو مركز أبحاث مقره مدينة الرباط: « نستفيد من أشعة الشمس ومستويات الرياح التي تعد من بين أعلى المستويات لدى أي دولة في العالم ».
وأضافت أن قادة البلاد يحاولون تسخير تلك الموارد المتجددة لجعل المغرب دولة رائدة في مجال الحفاظ على البيئة في أفريقيا. الهدف هو تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تدمر المناخ، بنسبة 18.3٪ بحلول عام 2030.
بداية الدفع باتجاه الطاقة الخضراء
ظل التوسع في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في البلاد طويلاً في طور التكوين، ويعود تاريخه إلى خطة الطاقة لعام 2009. وكان الهدف هو الوصول إلى 42٪ من قدرة الطاقة المتجددة المثبتة بحلول عام 2020.
وأضافت غالية مختاري: « الملك (محمد السادس) أراد تحويل المغرب إلى مركز للطاقة الخضراء بسبب تغير المناخ ».
ومثل معظم الدول الأفريقية، فإن انبعاثات الكربون في المغرب ضئيلة، مقارنة بالدول الصناعية وكبار الملوثين التاريخيين، لكن المغرب يشعر بالعواقب الوخيمة لأزمة المناخ، من ارتفاع كبير في درجات الحرارة ومن جفاف إلى فيضانات ساحلية، وكلها تؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وندرة المياه. وتعد شمال أفريقيا واحدة من أكثر المناطق عرضة للتغير المناخي في العالم، حيث من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة في الصيف بمقدار 4 درجات مئوية (7.2 درجة فهرنهايت) بحلول عام 2100.
لكن مختاري قالت إن قيادة البلاد أرادت أيضًا توسيع مصادر الطاقة المتجددة « لأننا كنا نعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة من الجزائر وإسبانيا ». ولكن لا تزال البلاد تستورد 90٪ من طاقتها وتعتمد بشكل أساسي على الوقود الأحفوري.
وفي محاولة لوقف استيراد الهيدروكربونات الأجنبية، فتح المغرب سوق الطاقة المتجددة أمام المنافسة الخاصة وألغى دعم البنزين والديزل تدريجيًا عندما كانت أسعار النفط منخفضة في عامي 2014 و 2015. ولكن غاز البوتان، الشائع استخدامه في المنازل والزراعة، لا يزال يتلقى الكثير من الدعم الحكومي.
المغرب يسير على الطريق الصحيح
أثبتت استراتيجية الطاقة لعام 2009 أنها كانت طموحة على نحو مبالغ فيه: فقد أخفق المغرب في تحقيق هدفه لعام 2020 فيما يتعلق بقدرة الطاقة المتجددة بتحقيق نسبة 5٪ فقط. لكن يبدو أن الحكومة تسير على الطريق الصحيح لتحقيق هدف عام 2030 البالغ 52٪، وفقًا لتقرير حديث، صادر عن شركة « ارنست ويونغ » للاستشارات (EY).
ووفقًا للتقرير، فإن المغرب يتخطى وزنه في سوق الطاقة المتجددة بشكل كبير، بالنظر إلى حجم اقتصاده الصغير. ومع افتتاح محطتين جديدتين للطاقة الشمسية ومزرعة رياح العام الماضي، زادت إمدادات الطاقة المتجددة بنحو 10٪.
وإلى جانب قطاع الكهرباء، فإن المغرب يضع عينيه صوب إزالة الكربون عن مجالات أخرى مثل النقل والزراعة. ويظهر البلد إمكانات هائلة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يوصف بأنه وقود بديل، سيحل محل النفط والديزل في الصناعات الثقيلة والطيران، وفقًا للتقرير.
ومع ذلك، يتطلب إنتاج الهيدروجين الأخضر كميات هائلة من الطاقة النظيفة، والتي لا تزال تعاني من نقص شديد في المعروض منها في البلاد؛ على الرغم مما حققته من مكاسب، وفقًا لمؤسسة هاينريش بول وهي أحد مراكز الأبحاث البيئية الألمانية. وأضافت المؤسسة أنه رغم ذلك فإن الطلب الدولي المتزايد على الوقود البديل قد يعزز توسع المغرب في مصادر الطاقة المتجددة.
وفي الآونة الأخيرة، وقَعَّ المغرب أيضًا اتفاقًا مع الاتحاد الأوروبي بشأن « شراكة خضراء » لتعزيز التعاون في مجال مصادر الطاقة المتجددة.
ويقول تقرير شركة ارنست ويونغ للاستشارات: « ليس هناك شك في أن المغرب لديه الموارد الطبيعية والدعم التنظيمي والالتزام الحكومي لقيادة الثورة الخضراء في أفريقيا ».
تحديات تواجه ثورة الطاقة المتجددة
لا يزال المغرب يواجه تحديات كبيرة في انتقاله إلى الطاقة الخضراء، حيث لا يزال الوقود الأحفوري هو القوة الأكبر في معظم أنحاء البلاد. ولا يزال الفحم، وهو الوقود الأحفوري الملوث بشكل خاص، يشكل37٪ من إنتاج الكهرباء وترتفع أسعاره بسبب العقوبات المفروضة على روسيا. وقد تعرض المغرب أيضًا لانتقادات بسبب تشغيل محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم وإطالة العمر الافتراضي لمحطات أخرى قديمة.
وتقول مجموعة مراقبة العمل المناخي (Climate Action Tracker)، وهي مجموعة مراقبة علمية مستقلة، إن البلاد بحاجة إلى مزيد من الدعم الدولي للمضي قدمًا في مسار إزالة الكربون.
كما انتقدت منظمات المجتمع المدني قيام الدولة بتفضيل التركيز على بناءمحطات الطاقة العملاقة بدلا من المشاريع الصغيرة، وفقًا لمؤسسة هاينريش بول. وتقول منظمات غير حكومية إن السكان المحليين ليس لهم رأي في المشاريع ولا يستفيدون من الوظائف.
وفي الوقت نفسه، يرتفع الطلب على الطاقة أيضًا، مع نمو السكان وتطور البلاد، ويمكن أن يتضاعف الاستهلاك أربع مرات بحلول عام 2050. ولسد هذا الطلب بالطاقة الخضراء، لا يزال أمام البلاد طريق طويل، وفقًا لمؤسسة هاينريش بول.
وقد حث العاهل المغربي، الملك محمد السادس ، الحكومة على تسريع وتيرة تطوير مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة في اجتماع عقد مؤخرا.
وقال العاهل المغربي في بيان إنه « انطلاقا من خطا التقدم التي حققها؛ ينبغي على المغرب تسريع نشر الطاقات المتجددة من أجل تعزيز سيادته في مجال الطاقة وخفض تكاليف إنتاجها ووضع نفسه بين اقتصاديات البلدان منخفضة الكربون خلال العقود المقبلة ».
بياتريس كريستوفارو